6 معلمين استثنائين تحدّوا كورونا واستمروا في التعليم

مع بدء انتشار الأخبار عن تفشي وباء كوفيد-19 انقلب العالم رأساً على عقب ولم يعد كما عهدناه سابقاً فمنذ إعلان الإغلاق الشامل لكافة مناحي الحياة توالت الصعوبات في مختلف الأصعدة على مستوى دول العالم جميعها ولا يخفى علينا حجم الضرر الذي لحق القطاع التعليمي في كافة مراحله، مما أثّر سلباً على حياة الطلاب وأهاليهم والمعلمين على حدٍ سواء. لكن على قدر التحديات تكون قيمة الإنجازات ففي هذه الظروف الاستثنائية التي ابتليت بها الكرة الأرضية مؤخراً ظهر لنا معلمون مبدعون في زمن الكورونا أوجدوا حلولاً خلّاقة لمواجهة الصعاب التي اعترضت طريق رسالتهم في الحياة.
أكبر تلك التحديات التي تواجه المعلمين هو الانتقال إلى عملية التعليم عن بعد خلال فترةٍ قصيرة دون سابق تحضيرات مع وجود نقصٍ كبير في الأجهزة الإلكترونية اللازمة وضعف خبرة المدرسين من الكبار بالعمر في التعامل مع التكنولوجيا وتسخيرها في مجال التعليم بالإضافة إلى خسارة بعض المعلمين لوظائفهم بسبب الأزمة الاقتصادية، لكن الاستسلام لم يكن خياراً لهم أبداً.

التعليم وكورونا، قصص تحدياتٍ ونجاحاتمعلمة حضانة تحدّت كورونا بحيويةٍ وعفوية

لما كان وصول الطلاب الى الإنترنت في الدول المتقدمة سهلاً، وجد المعلمون الحل بأن يعطوا دروسهم أونلاين على شكل اتصال فيديو مباشر وتقديم الدروس بشكلٍ افتراضي أو برفع الدروس التعليمية على منصاتٍ تعليمية تابعةٍ للمدرسة، الأمر الذي لم يكن بتلك السهولة خصوصاً عندما تعلق الأمر بالتعامل مع أطفالٍ في سنٍ صغيرة فهم لا يجيدون استخدام الحواسيب بأنفسهم ويمكن أن يتشتتوا بسرعةٍ.

لمعت المعلمة ماكانزي آدامز (Mackenze Adams) بتعاملها الرائع مع طلابها الصغار في السن، فقد بذلت جهوداً كبيرة لتحافظ على انسجامهم وتضفي الطابع المرح على صفّها الدّراسي. اشتهرت على منصة التيك توك في خلق مشاهد تمثيلية لجذب انتباه أطفال الحضانة لإيصال المعلومة بشكلٍ محببٍ دون أن يفقدوا اهتمامهم فكانت مثالاً للمدرس الذكي الشغوف.

التعليم عن بعد ممكن، لكن بدون إنترنت!

النصيب الأكبر من المعاناة كان من نصيب المدرسين والطلاب في الدول الفقيرة؛ ففي إندونيسيا كان التواصل مع الطلاب خارج الصفوف الدراسية دون إتاحة الإنترنت يبدو أمراً مستحيلاً لكن فرانسيسكوس فايما (Fransiskus Faima) وجد الحل بأن يسافر لساعاتٍ طويلة جامعاً تلاميذه في مجموعاتٍ صغيرة ليعطيهم الدروس مستخدماً حاسبه المحمول. فإن لم يحصلوا على نفس جودة التعليم التي كان بإمكانهم تلقيها في المدارس، فمجرد بقائهم منخرطين بالعملية التعليمية قد يكون كافياً في الوقت الحالي حتى يحافظوا على مستواهم التعليمي مع الالتزام بإجراءات التباعد ولبس الكمامات حفاظاً على صحتهم وصحة أهاليهم.

إن منعتك كورونا من القدوم للصف، سأجلب الصف إليك

وجد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من المصابين بالتوحد أنفسهم في ظروفٍ لا يٌحسدون عليها مما دفع ناي وهي معلمةٌ من المكسيك متخصصة بالعمل مع الحالات الخاصة إلى السفر لمسافاتٍ طويلة من أجل إعطاء الدروس لطلابها على ظهر شاحنتها التي حولتها الى صفٍ متحرك، فقد حرصت ناي على التواجد بشكلٍ شخصي من أجل طلّابها لعلمها كم هم بحاجتها في هذه الأوقات الصعبة.

أشارت الأبحاث أن بقاء الأطفال في المنزل لهذه الفترات الطويلة ترك تأثيراتٍ سلبيةً على كافة الأطفال من شعورٍ بالرغبة في الانعزال إلى ظهور بعض أعراض للاكتئاب فكم هو رائعٌ أن يجد الأطفال دعماً نفسياً مقدماً من معلميهم.

معلمون رائعون في الدول العربية

في حين أن الإغلاق الشامل يبدو كفرصةٍ رائعة للجلوس في المنزل دون الشعور بضغط العمل وأعبائه، أصرّ بعض المعلمين من المؤمنين بأهمية العلم ودوره الجوهري كأداة تغييرٍ للمجتمعات على المضي قدماً، فقاموا بإحداث مبادراتٍ نذكر منها في عالمنا العربي ما قام به أستاذ الرياضيات الجزائري حمادي سفيان الذي لم يتوقف عن إعطاء دروسه خلال فترة الحجر الصحي بل بدأ باستخدام منصات التواصل الاجتماعي لعرض الدروس للطلاب على شكل بثٍ مباشر ورغم مواجهته لصعوباتٍ تتعلق بعدم توافر الإنترنت عند جميع طلابه، فقد وجد الحل بأن بدأ يسجل فيديوهاتٍ تعليمية بمساعدة أخيه في تعديل ورفع مقاطع الفيديو على مجموعته التعليمية في الفيسبوك حتى يتاح لباقي الطلاب مشاهدتها في أي وقت. لاقى سفيان من طلابه تفاعلاً جيداً وإقبالاً كبيراً على دروسه مما حفّزه على الاستمرار في العطاء حتى نهاية الأزمة.

في دولٍ عربيةٍ أخرى كما في غزة، حيث انقطاع الكهرباء المتكرر وعدم توافر أجهزة الحاسوب في جميع المنازل أو في ظل غياب المقدرة على شراء الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت، ازدادت المشاكل التقنية تعقيداً وأصبح تواصل الطلاب مع أساتذتهم شبه مقطوع، ما دفع الطالبة الجامعية إخلاص للقيام بمبادرةٍ فردية؛ فتكفلت بتدريس أخوتها ومساعدة أبناء الجيران على دراسة المواد الأساسية في المنهج التعليمي، فهي ترى أنه من الواجب التعاون مع المعلمين والحرص على عدم توقف الرسالة مهما كانت الظروف.

متطوعون لتعليم الأطفال في ظروفٍ بائسة

في مخيمات اللاجئين في سوريا حيث المشاكل التعليمية موجودة مسبقاً حتى قبل كورونا ومع انعدام البنية التحتية الصالحة للتعليم وغيابٍ شبه تام لمقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء للدرجة التي يبدو التعليم فيها من الكماليات غير الضرورية، ظهرت مبادرة أبجد التي جعلت من محو أمية الأطفال هدفاً لها، فكان تركيزهم في المناهج الدراسية على المواد الأساسية من لغةٍ عربية ورياضيات وبعض الأنشطة التعليمية، بهدف تأهيل الأطفال لاحقاً للانضمام إلى الصفوف في المدارس النظامية.

منذ بدايات المبادرة كان على الشبان المتطوعين مواجهة صعوباتٍ عدة، منها إقناع الأهالي بأهمية التعليم لأطفالهم والعمل على إيجاد أساليب للتعليم عن بعد بالإمكانيات المتوفرة بهدف المحافظة على مستوى الأطفال التعليمي.

مع بدء جائحة كورونا قاموا بتقليص أعداد الطلاب في الصفوف إلى الرّبع وعملوا على دمج أسلوب التعليم التقليدي بالطرق المتاحة من التعليم عن بعد باستخدام برنامج واتساب وإرسال مقاطع فيديو ذات جودةٍ منخفضة لتمكين الطلاب من مشاهدته على هواتف أهاليهم.

رغم ما يمكن أن يتعرضوا له من أخطار وتحديات وعدم الشعور بالاستقرار في المخيمات، وجد المعلمون المتطوعون أنه من مسؤوليتهم إرشاد هؤلاء الأطفال إلى الطريق الصحيح وكان عليهم أن يلعبوا أدواراً تربوية، نفسية واجتماعية بالإضافة إلى دورهم التعليمي، فهم عيون الأطفال الوحيدة على الحياة خارج المخيمات.

العلم من أسمى الرسالات والتعليم من أعظم المهن وأكثرها صعوبةً لما لها من علاقةٍ مباشرة في تكوين الطفل ونشأته العقلية والنفسية وللأسف لا يلقى المعلّم التقدير الذي يستحقه في معظم البلدان. محظوظون هم من وجدوا في طريق حياتهم معلمين مستعدين لخوض التحديات والبذل والتضحية في سبيل إيصال رسالتهم إليهم، فاحرصوا على أن تقدروهم ولو بكلمة عرفان كلّما استطعتم.