مقتطفات من كتاب لأنك الله _4

الجبار:

هل هشمتك الظروف؟ وتواطأت ضدك الكروب؟ وتكالبت عليك الأزمات؟

روحك المكنسرة، قلبك المهشم، أنفاسك الضعيفة تحتاج إلى من يجبر التهشم والضعف والانكسار!

من معاني الجبار: أنه يجبر أجساد وقلوب عباده، العيش في كنفه يمدنا بمراهم الصحة وضمادات السعادة، ومسكنات الأوجاع، سمى نفسه بالجبار، ليعلّم عباده أنه هو القادر على جبرها فيلتجئون إليه.

انكسارات الحياة عديدة وبقدر هذه الانكسارات تتفتح أبواب السماء بضمادات الرحمة ومجبرات الود!

شُرع لنا أن نقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واجبرني.

إذا التهبت نفسك، وإذا احترقت أحلامك، وإذا تصدع بنيان روحك فقل: يا الله..

تتزاحم الآلام في قلب العبد حتى ما يظن أن لها كاشفة، فإذا بالجبار يجبر ذلك القلب، وبعد أشهر ينسى العبد كل آلامه وأوجاعه لأن الله لم يذهبها فحسب بل جبر المكان الذي حطمته، فعاد كأن لم يتهشم بالأمس!

سجّادة توججها إلى القبلة، تقضي على تلك الهموم والكروب في لحظات بإذن الله!

يحبك سبحانه مبتسماً، فيصنع من جميل أقداره ما يعين ثغرك على الافترار، ويجعل الابتسامة تطرد ملامح الكرب عن وجهك.

إذا رأيت منكسراً فاجبر كسره، كن أنت الذي يستخدمك الله لجبر الكسور، لا تنم وجارك جائع، لا تضحك وأخوك يبكي، لا تنعم بدفء بيتك وهناك من هدهدت رياح الشتاء أبدانهم الضعيفة.

كن النافذة التي يتسلل منها الهواء الشفيف على النفوس التي خنقتها أدخنة الحياة الصعبة، تخلّق بخلق الجبر، كن اليد العليا.

يزور النبي اليهودي المريض!

يكنس أبو بكر رضي الله عنه بيت العمياء ويطبخ لها طعامها!

يموت خصوم ابن تيمية فيبشرونه بذلك، فيغضب ويذهب مباشرة إلى أهله فيعزيهم ويقول لهم: أنا كوالدكم، لا تحتاجون شيئاً إلا وأخبرتموني!

كانوا منشغلين بالمهمة العظيمة، مهمة جبر القلوب المنكسرة، كان الله يستخدمهم لذلك الشرف العظيم.

قل يا الله.. بيده مفاتيح الفرج، الشفاء له خزينة عظيمة القدر والحجم، أتعلم أين هي تلك الخزينة؟ إنها عند الله!

السعادة كذلك لها خزينة، أتترك من بيده ملكوت كل شيء، وتنصرف إلى عبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا؟

والكلام هنا.. ليس عن طلب العلاج، فهو مشروع، بل حديثنا عن التعلق بالمخلوق ونسيان الخالق!

ينزل رسولنا من الطائف محملاً بقدر عظيم من الحزن والحرقة والانكسار، بعد أن أدمى السفهاء عقبيه الشريفتين بالحجارة، يراه ملك الملوك، يرى قلبه المكتظ بالآهات، فيرسل جبريل ومعه ملك الجبال، لينهي تلك الحُرق، يرسله في مهمة خاصة، مهمة تتعلق بدكدكة الجبال الراسية!

فينظر ملك الجبال إلى النبي وهو في أحزانه فيقول: أمرني الله أن أمتثل لأمرك يا محمد، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت!

إذا أراد الله أن يجبر كسرك، أهلَكَ مدينة بأكملها لأجلك!

ولكن محمداً يستأني بهم ويعفو عنهم.

هل يستطيع غير الله أن يجبر كسور الروح بمثل هذا؟

يدخلون إلى عينيك ليسرقوا أجمل أحلامك.. ويتسللون إلى قلبك ليمسحوا أروع ذكرياتك! وكلما انطفأ حلم خلق الله لك حلماً أجمل، وكلما بهتت في قلبك ذكرى صنع الله لك ذكرى أروع!

الصلاة.. تردم هوة اليأس في أرواحنا، وسبحان ربي العظيم تخلق فرحاً نجد طعمه في ألسنتنا، وسبحان ربي الأعلى تحلق بنا حول العرش.

دعوات الوالدة دفء في شتاء الحياة، وزيارة الصديق متعة في صخب العيش، وسؤال الجار عنك يلون لوحة نفسك الرمادية.

الحياة مليئة بالمجبّرات، وربنا يريدنا أن نسعد، أن نبتسم، أن نحيا حياة جميلة.

فما الذي يبطئك عن الله؟

ما الذي يجعلك تتأخر عن الانضمام لركب الأواهين الأوابين، الذي يرتلون كلامه في جوف الليل؟

كن في حياتك ساجداً كما كنت في بطن أمك، يكفيك الله رزقك ويجعل أضيق الأماكن أهنأها، ويحيطك برحمته.

كن ساجداً بقلبك، وإن رفعت رأسك.

اهمس بشرايينك: يا جابر المنكسرين اجبر كسري، ثم تأمل في المعجزة وهي تشكل روحك من جديد!

الهادي:

أكلتك الحيرة؟ هل تشعر أن عقلك أعجز من أن يحدد لك الصواب من الخطأ، هل تزاحمت في عقلك مميزات فتاتين لا تدري أيهما تتزوج؟ بل هل تعبت من دروب الضياع وتريد أن يمن الله عليك بأن يدلك على طريق النور والهداية؟

إذاً أنت تحتاج أن تتعرف على هذا الاسم العظيم، أن تسترشد الهادي سبحانه ليوقف في نفسك جيوش الحيرة ويهديك إلى السراط المستقيم!

فهو سبحانه يهديك، فيحرف مسارك عن الضلالة إلى الرشد، وعن الغواية إلى الطريق الأقوم.

يهديك بما تظنه صدفة: يهديك بآية تسمعها في صلاة، ويهديك برؤيا تراها، ويهديك بنصيحة عابرة، ويهديك بكلمة تقع عينك عليها في كتاب، ويهديك بومضة غير مسبوقة بتفكير، ويهديك بظروف تدفعك إلى الصواب، ويهديك بالخوف، ويهديك بالحب، ويهديك بالموت!

وأما سماع القرآن فأصل الهدايات، ومن أعظم ما جعله الله سبباً لهداية عباده، فقد ضمّن فيه كل أسباب الهداية والرشد، قال تعالى:

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

فيستحيل على عاملٍ بما في القرآن أن يصاب بزيغ أو انحراف أو نكوص!

قد يهديك ثم لا تقوم بواجب تلك الهداية من شكر وعمل بمقتضاها فيسلبها منك، مثل ذلك الرجل الذي آتاه الله آياته:

فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ

وقد يهديك فتشكره وتعمل بمقتضى الهداية فيمن عليك بهداية أخرى فتشكره وتعمل بمقتضاها ثم يفضل عليك بهداية ثالثة ورابعة، ويجعل حياتك هدايات يمسك بعضها ببعض.

هؤلاء فتية الكهف.. هداهم بأن جعلهم مؤمنين، ثم هداهم أيضاً بأن جعلهم صابرين على إيمانهم، ثم هداهم بأن دلهم على طريق النجاة، ثم هداهم بأن هيأ لهم حالاً أنجاهم بها، بأن ضرب على آذانهم في الكهف سينين عددا، قال عنهم سبحانه:

إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى

فالله يبصر اضطراب الرعب في قلبك، لقد كان يسمع وجيف فؤادك، لقد علم تمثّل الموت عطشاً في نفسك، فأذِن لوميض داخلي أن يشتعل لتحس بالطريق، وتصل بسلام.

يخرج ابن تيمية من بين البيوت وقد ازدحمت الأقوال في رأسه حول تفسير آية، يقرأ عنها عشرات التفاسير، فلا تخلصه تلك التفاسير من ضوضاء الحيرة، فيمرغ وجهه بالتراب ويبكي ويقول:

يا معلم داوود علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.

فيعود وقد تحددت الأقوال الراجحة في عقله بنور الهداية الربانية!

ومن أعظم هداياته إعادة خلقه إليه، ودلالة التائهين عليه، وفتح أبواب التوبة لمن أذبل أرواحهم خريف الحوبة.

يخرج في ظلام الليل ليعصي ملك الملوك، كل جوارحه مندفعة للوصول إلى وحل المعصية، ولكن الله في تلك اللحظة الحاسمة يأمر الهداية أن تصل قلبه قبل أن يصل هو إلى المستنقع، فإذا بكل ما بناه من أحلام سوداء ينهار فجأة، وكل شيء يتطاير من حوله، يلتفت إلى جهة أخرى، ليست جهة المستنقع.. إنها جهة تطل من بين منحنياتها منارة المسجد، فيبدأ عهداً مضيئاً مع الهادي سبحانه.

وقد تكون في غمرة النسيان فيذكرك به، تكون في حومة المعصية فيوقظك، تكون في وسط المستنقع فيطهرك، تكون في داخل الجب فيدلّي إليك حبلاً..

يهديك بحبٍ يغمر فؤادك، أو بخوف يزعزع استقرارك، أو بمرض يذل كبرياءك، أو بحاجة ترغم أنفك، أو بفقر ينقض ظهرك، أو بخواء يعذب روحك.

تخرج من بيتك قاصداً مسجداً وفجأة تغير الطريق إلى مسجد آخر، بعد الصلاة تسمع كلمة يلقيها أحد الدعاة تغير شيئاً كان مستقراً في قرارة نفسك! يغير طريقتك أو حتى طريقك..

والعبد صاحب الروح المرهفة يستنبط هدايات الله سبحانه، ويعلم أن الكون مربوب له سبحانه، وأن الله سبحانه قد يهديه بأي شيء في كونه، وقد يضله والعياذ بالله بأي شيء في كونه!

ولن يضل سبحانه إلا من أغلق قلبه عن الهدى ودين الحق.

إذن: ضياع هذه الحياة إن لم تأتك الهداية من عنده.. أعظم من فظاعة الضياع في تيه الصحراء، سنكون بذلك في غربة أقسى من غربة طائرٍ فقد سربه في فصل الشتاء، فقررت الثلوج أن تبتلع أحلامه المحلقة!

اللهم ارزقنا هداية من عندك تنتشلنا من صحراء التيه، وتوصلنا إليك، وتدخلنا بها جنة عرضها السماوات والأرض.

كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات ،كتب دينية، كتاب لأنك الله .