مشاعر مسيطرة على الكتابات الأدبية في زماننا

(ليست الأقلام من تكتب إنما الوجدان والأفكار) ليست مجرد عبارة أدبية أو اقتباس من وحي الخيال، إنما هي حقيقة لو تذوقنا الأدب بما فيه من معاني وجماليات، فالكاتب يعبر عما يتلجلج في صدره منا مشاعر ويحاول أن يكتبها بكلمات منمقة واستعارات فنية وتشبيهات جمالية في إطار أدبي متكامل.

ولكل عصر من العصور تأثيراته على نفوس الأدباء يظهر ذلك في المشاعر التي تسيطر على كتابات الأدب في مراحل زمنية محددة، وفي هذا المقال نحاول الطواف عبر الزمان لمعرفة تأثير المشاعر على الكتابات الأدبية لنصل إلى محطة الزمان المعاصر ونفسر تجليات الأدب فيما نجده من كتابات أدبية حديثة.

جولة فكرية عبر الزمن:

لنرجع سنين وسنين إلى الوراء وندخل في غمار الأدبيات لنرى طبيعة الحياة وما سيطر على الأدباء في مراحل تاريخية محددة...

أولاً: فترة الخمسينيات: نجد أن الناس كانوا يعيشون ببساطة والمشكلات الحياتية قليلة، وهذا ما انعكس على الكتابات المفعمة بالحب والغزل والاشتياق مثل رواية ( السكرية) لنجيب محفوظ.

ثانياً: فترة الستينيات: تجلت في هذه الفترة مشاعر حب الوطن، وظهر هذا في العديد من الكتابات الأدبية المصرية والفلسطينية والسورية، مثل روايات غسان كنفاني (عائد إلى حيفا، أرض البرتقال الحزين).

ثالثاً: فترة السبعينيات: تأججت فيها مشاعر حب الأوطان بشكل ملحوظ، وكانت امتداد طبيعي لفترة الستينيات، وبرزت أغاني عبدالحليم حافظ وعبدالوهاب وأم كلثوم، كمنظومات قصائدية لاقت رواجاً كبيراً، مثل ( خلي السلاح صاحي) و (فدائي)، ومثل ما أرساه محمود درويش في تحفة ( سجل أنا عربي )، كما زادت فيها مشاعر الفقدان والرثاء.

رابعاً: فترة الثمانينيات: برز فيها أدب المهجر، ولامست قلوب الآدباء مشاعر الاشتياق والتعبير عن وحشة الغربية، مثل قصيدة ( المساء ) لإيلياء أب ماضي، كما عاد أدب الغزل مثل (نزار قباني).

خامساً: التسعينيات: كانت فترة إنتشار لأدب الحب والغزل بشكل ملحوظ وكثر فيها انتشار كتب نزار قباني، والمسرحيات والأعمال السينمائية الرومانسية.

سادساً: من 2000 _ 2005م: ( أطفال الحجارة علمونا)، لعل مطلع قصيدة نزار قباني في هذه الفترة أوضحت الاختلاف بين فترة التسعينيات وبداية الألفين، حيث تأججت مشاعر الدفاع عن الوطن والتضحية.

سابعاً: من 2005م إلى يومنا هذا: شهدت الأعمال الأدبية انتقالات جذرية لاسيما مع طغيان التكنلوجيا، فأصبح التوجه إلى الخيال العلمي وازدهار أدب الأطفال وكذلك الحنين للماضي سمة من سمة الفترة الحديثة وهذا ما يتناوله بشكل أكبر تفصيل في الفقرة القادمة.

ما يفسر مشاعر الأدباء في العصر الحديث: 

تحدثنا أن الخيال العلمي وأدب الأطفال، أصحت سمة من سمات المشاعر الخاصة بالكتابات الأدبية في العصر الحديث، وهنا يتبادر السؤال (لماذا؟)، وهو ما سنفسره في سياق النقاط التالية:

  • أصبحت المشاعر الانسانية تعاني من الجفاف لاسيما مع طغيان التكنولوجيا، فتوجه فكر الكتاب نحو الخيال ليعوضوا هذا النقص.

  • ازدهار السينما وأفلام الرعب والخيال كلها أثرت في التفكير الوجداني والعقلي.

  • أدب الأطفال أصبح صناعة بحد ذاته وانشأت العديد من القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال، هذا ناهيك عن السوشيال ميديا واليوتيوب.

  • الحنين للماضي سمة لا يمكن انكارها في العصر الحديث، لاسيما وأن قلوب الكتاب تحن للماضي بعبقه الفياض الطاهر والنقي.

  • كما برزت العديد من المشكلات الأدبية التي لم تكن موجودة بهذا الحجم مثل مشكلة السرقة الأدبية التي أصبح لها برامج خاصة لكشفها وقوانين لتجريمها.

ماذا نستفيد من معرفتنا بمشاعر الكتابات الأدبية؟ 

يحتاج القارئ لمعرفة الجو العام الذي سيطر على الكتابات الأدبية في فترة زمنية معينة ليزداد فهمه لطبيعة الكتابات، ويتذوق الفن الأدبي بشكل أعمق، وكذلك ليشعر بما شعر به كاتب النص الأدبي، ويفهم المشاعر في ظل محدداتها التي تخبر عن طبيعة الأعمال الفنية وتعطي نظرة استشرافية لها في المستقبل، وكذلك يفيد هذا الهواة في معرفة من أين يأتي (الإلهام الأدبي) للكاتب.

الكلمة/ السرقة الأدبية
المصدر:المنارة