لوكاندة بير الوطاويط للكاتب أحمد مراد

حبكة لوكاندة بير الوطاويط

نوفيلا لوكاندة بير الوطاويط القصيرة الخاصة بالكاتب أحمد مراد تتحدث عن شخصية مجنونة، مخبولة، وتكاد تُجزم أن هناك هجينًا ترك المريخ وسكن القمر، ثم أتى على الأرض ليتربصّ بها هي وحدها دونًا عن سائر البشر.

البطل هو سليمان السيوفي، أحد الذين تجرأوا على ممارسة مهنة التصوير الفوتوغرافي في بدايات ظهورها بمصر. أجل، إنها أيام الباشوية التي تلت حكم محمد علي، حيث تسمع في كل مكان كلمة (أفندينا)، وكيف لها أن تدب الرعب في القلوب.


سليمان هوى التصوير، وبالتحديد تصوير الموتى. ونظرًا لمهنته المستحدثة، وتخصصة الأندر من اللؤلؤ، ذاع صيته في البلاد، وبات مقصدًا لكل من يريد تصوير موتاه بطريقة شرفية، بعد أن يزينهم ويجملهم للذكرى الأبدية. وتبدأ القصة عندما يأتي مندوب من الهيئة الحاكمة بالبلاد إلى بطلنا، طالبًا منه الذهاب معه فورًا في مهمة عاجلة؛ فهناك شخصية مرموقة قُتلت منذ قليل، وبطريقة بشعة للغاية.

لم يعلم السيوفي أن تلك الجثة التي على وشك أن يقابلها، سوف تسحبه إلى جثث أخرى كثيرة، وربما تربطه بسرٍ قديمٍ يمتد إلى محمد علي باشا، وأفاعيله التي جعلت منه عدوًا لسواري السفن حتى. ماذا سيفعل البطل القاطن في لوكاندة بير الوطاويط ويعيش يومه على الأعشاب المضادة للهلاوس وللهجين ساكن القمر؟ هذا ما ستعرفوه عند قراءة الرواية.


الشخصيات

في الواقع، شخصيات لوكاندة بير الوطاويط تبدو من الخارج كثيرة ومتشابكة، لكنها بسيطة ومحدودة للغاية.

قسَّم أحمد مراد القصة إلى طبقات، وكل طبقة تحتوي على مجموعة شخصيات. كأنك تركب مصعدًا في مبنى طويل، وفي كل دور تقف فيه، تسلم على شخصيات جديدة، ثم تقرر اصطحاب بعضها معك وترك البعض الآخر، والشروع في الصعود للطابق الجديد. حتى تصل في النهاية إلى آخر طابق، ومعك مجموعة محدودة جدًا من الشخصيات. لذلك كان توزيع الشخصيات بالحبكة ممتازًا، ولم أشعر على الإطلاق بوجود شخصية في غير محلها.


السرد والأسلوب

كالعادة، لوكاندة بير الوطاويط واحدة من روايات أحمد مراد التي تبرع في التصاعد الخجول في الأحداث. فبين الحدث والآخر تجد أطنانًا فوق أطنان من السرد الزائد والوصف المبالغ فيه لكل شيء؛ يتحرك أو لا يتحرك. حتى أنني أكاد أجزم أن هذه الرواية في الأساس كانت سيناريو سينمائي، لكن تم رفضه وقرر الكاتب تحويله لرواية. السيناريوهات السينمائية هي التي تتمتع بالوصف الدقيق لكل شيء وأي شيء، لإعطاء المخرج والممثل ومصمم الديكور؛ رؤية شاملة عن المشهد.

– ستقول لي: مهلًا، أليس هناك أسلوب سردي يُعرف بالسرد الأدبي-السينمائي؟

– سأقول لك: نعم، لكن ليس في قصة بهذه المحدودية.

السرد السينمائي يوضع في حبكة مترامية الأطراف، لإبراز عمق القصة للقارئ، وإدخاله في العالم (الضخم) لها. فمثلًا بالنسبة لسلسلة مثل هاري بوتر أو مملكة الخواتم، السرد السينمائي ضروري للغاية. لأن العالم في الأساس كبير جدًا، وفي عوالم الفانتازيا، التصوير ثلاثي الأبعاد حتمي. لكن في رواية لوكاندة بير الوطاويط الوضع مختلف تمامًا، القصة محدودة الأحداث جدًا، ويمكن تلخيص نقاط تصاعدها في خمس أو ست نقاط بسيطة ومختصرة.

النوفيلات القصيرة لا يوضع فيها وصف زائد عن الحد، لأنها في الأساس قصيرة، وتهدف لإعطاء القارئ وجبة دسمة من الأحداث المتتابعة، دون الدخول في وصف سينمائي قد يبعث على الملل. بجانب أن الوصف السينمائي لم يتطرق إلى الشخصيات والمباني فقط، بل إلى العلاقات الجنسية أيضًا. هنا لا تعتقدوا أنني ألوم الوصف الجنسي. بالعكس، أنا من محبي الأدب الإيروتيكي، والوصف الجنسي الصريح لشخصية السيوفي بالتحديد، تناسب مع تركيبته النفسية وحالته العقلية؛ أيّما تناسب.


لكن كنت سأتقبل هذا تمامًا إذا تم توظيف الوصف الجنسي بهدف دفع القصة للأمام، لكنه لم يدفعها للأمام؛ أبدًا. حرص أحمد مراد على سرد صفحات خلف صفحات، تصف اعتزاز البطل بجسد المرأة، ثم نبذه بعد الجِماع. وضع الوصف الجنسي مرة أو مرتين لا بأس به لإعطاء نظرة عَلوية لحالة البطل، لكن الإكثار منه يُظهر أن القصة هزيلة للغاية، وأن الكاتب يريد حشو الصفحات ليس إلا.

لوكاندة بير الوطاويط للكاتب أحمد مراد امتازت بحبكة واعدة، وأحداثها كان يمكن أن تمتد لتشمل الكثير من الشخصيات، وتصير فعلًا رواية دسمة وجيدة. لكن للأسف، ظهرت للنور كوجبة بدون ملح، وكجيفة تأبى الصقور نهش لحمها المتعفن.


فى النهاية 

لوكاندة بير الوطاويط رواية جيدة، وجبة خفيفة تستطيع أكلها في جلسة واحدة. لكن إذا كنت معتادًا على القراءة باستمرار، ستجد أن هناك أكثر من أسلوب سردي غير متناسق مستخدم في هذا العمل القصير. وستُدرك أن هذا النصّ مكانه الحقيقي هو شاشة السينما، وليس أوراق الكتب.