لا تقرأ رواية ” لا توجد سكاكين فى مطابخ هذه المدينة ” !

من العوامل المشجعة للإقبال على هذه الرواية ترشحيها لجائزة البوكر الجائزة الأشهر فى عالم الأدب العربى فى هذه الأيام ، كما أنها تكلمنا عن الواقع السورى فى عصر ماقبل الربيع العربى وهو جزء غامض بالنسبة للكثيرين ممن كانوا منغلقين على عالمهم المحلى..

لا أنكر أن البداية قد تكون مشجعة لكن مع الوقت تجد أنك تتوه بين أحداث فرعية على خلفية تصلح لأن تكون رواية عظيمة في حد ذاتها، الكاتب يحصرنا في عائلة صغيرة يعبر بها عن القمع الذي كان يعيشه المجتمع السورى، لكن المأساه أنه أختار عائلة مشوهه لا تصلح لهذا الغرض فمن المفترض أن تكون هذه العائلة هي مثال على كل المجتمع، وبالتالى طبيعه تنطبق عليها أغلب صفات الشعب السورى بحيث من الممكن أن تزيل شخص منها وتضع مكانه مواطن سورى دون أن تشعر بأى إرتباك.


لكن على العكس..

اختار عائلة غريبة تجمع ما بين خال شاذ جنسيًا وأبنة منفلته الأخلاق حتى النخاع وبدون سبب منطقى ولا طبيعى فهى منفلته لأنها تحب ذلك ثم تقرر أن تترك كل هذا لتزوى في صمت دون سبب أيضًا، وأخ يحب أخته بصورة غير منطقية وراوى على هامش الروايه ليس له أى أهمية.

فأنا كقارئه عربية أرفض أن أحصر المجتمع السورى في مثل هذه الصورة البشعة من العهر والعلاقات المشينة والتى تصل لما يقارب زنى المحارم فقط لإثارة أهتمام أنواع معينة من القراء أو لتوضيح مدى الأنفتاح الذهنى لدى الكاتب.

هذا غير عيب فنى كبير في الرواية وهو الأنتقالات غير المنطقية للأبطال من مكان لمكان أو من حقبة لحقبة زمنية أخرى حتى تجعل القارئ يشعر كما لو أنه أغفل جزء من الرواية.


أهناك مايميز الرواية؟

أما عن الجزء الأهم الذي شد القارئ من البداية وهو الواقع السياسى الذي كان يعيشه المجتمع السورى فتجده على الهامش تمامًا، بل يتم إقحامه من وقت لآخر فقط للحفاظ على سمعة الرواية السياسية، فنجد الأخت تنضم لمليشيات الحزب الحاكم وتصبح أداة ترويع وبث الرعب لبعض الوقت فقط للكلام عن هذا الجزء في التاريخ السورى رغم أن هذا لا يتوافق مع الشخصية ذاتها وتشعر طوال الوقت أن هذا التطور غير طبيعى للشخصية.

الشخصية الوحيدة التي رُسمت بطريقة جميلة رغم أنها في غاية القسوة هي الأم التي تأتى من وسط راقى لكن تتركه في سبيل الحب والحبيب الذي يلفظها بعد أن تزوجته وأنتقلت من حلب إلى قريته النائيه وحاولت التعايش مع الواقع المغاير لأحلامها ولكن حين تتأكد أنه لاسبيل للعيش مع زوج خائن في واقع تعيس تتركه لترجع إلى حلب.

وتُصدم حين تجد أن حلب لم تعد حلب التي تركتها والتى تأخذ في التغير مع كل دقة ساعة للأسوء لكن تظل الأم تتشبث بالمظاهر التي تحبها للمدينة، فتشترى الأثاث وتجدده وتقرأ المجلات التي تحبها وتسمع ذات الموسيقى وكأنها ترفض الواقع وتعيش في واقع مغاير من صنعها.

الأم التي قبلت أن تتخلى عن أحلامها من أجل الحب، لكن حبها للكمال وخوفها من نظرات الناس جعلوها تطمس أمومتها وتخفى أبنتها المريضة عقليًا وتعاملها كما لو أنها غير موجودة وتكاد تتمنى موتها في كل دقيقة وحين توافيها المنية تدفنها كما لو أنها تتخلص من المهملات في الليل في مشهد شديد القسوة. لتنهزم في النهاية على يد الزمن لتشعر أنها مجرد خردة وجسد حى في أنتظار الدفن وأبناء رافضين لوجودها وقيمها وأفكارها ويشعروها أنها كائن زائد عن الحاجة.

حلب هي الأم القاسية في وجهة نظر الكاتب التي فقدت روحها وأصالتها وتكاد تقتل أبنائها من شدة قسوتها!

وفي النهاية يظل العنوان هو الأقوى والاوقع في كل الرواية، فلا سكاكين في مطابخ هذه المدينة يتسائل الأب الذي قتل أولاده ثم أنتحر بسكين المطبخ هرباُ من الواقع المقزز الذي يعيشه، ويريد ان يعرف الأب لماذا لم يفعل الجميع مثله؟