تُعد الجائزة العالمية للرواية العربية، أو البوكر العربية، واحدة من أشهر وأبرز الجوائز الأدبية في الأقطار العربية قاطبة.
بدأت أولى دوراتها في 2007 في أبو ظبي، بالإمارات العربية المتحدة، وانطوت على جائزة قيمتها 50 ألف دولار أمريكي، بجانب ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنجليزية.
وفي دورة الجائزة الـ 13 بالعام الحالي، وبالرغم من أجواء فيروس كورونا المستجد، تم الإعلان عن العمل الفائز بالفعل.
وهذا للأسف في ظل عدم وجود إمكانية لعمل حفل تكريم على أرض الواقع ككل مرة.
وكانت الرواية صاحبة التاج هذه المرة هي رواية “الديوان الإسبرطي“، لكاتبها (عبد الوهاب عيساوي).
الديوان الإسبرطي: عن الإنسانية ذاتها!
رواية “الديوان الإسبرطي”، لكاتبها (عبد الوهاب عيساوي) تفوز بجائزة البوكر لهذا العام.
رواية “الديوان الإسبرطي” تتحدث عن مجموعة شخصيات من بقاع مختلفة، وكذلك دوافع مختلفة، تجد نفسها تتشابك وتتلاحم في أرض واحدة، وبداخل إطار زمني مُحدد.
ببساطة “الديوان الإسبرطي” رواية استحقت البوكر لعام 2020؛ نظرًا للكثير من العوامل التي أبرزها: سرد قصة إنسانية، عن الإنسانية ذاتها.
وعلى وجه الدقة، تتناول الرواية قصة خمس شخصيات بالتحديد في الفترة الزمنية من 1815 و 1833، بالجزائر.
وهم: (صحفي جاء مع الحملة الفرنسية على الجزائر، وجندي في جيش نابليون ذهب هناك كي يُعتقل في النهاية، و3 جزائريين تتباين مواقفهم بالنسبة للوجود العثماني والفرنسي في البلاد). تسير الرواية في خط زمني تاريخي مقتبس عن الواقع، لكن بالطبع مع وجود فنيّات روائية وسردية تُعطي للتاريخ الجامد، حركته وحيويته.
ومع مرور الشخصيات من حدث لآخر، ومن موقف لآخر، تُقلب المزيد من الأوراق على الطاولة، لنكتشف أوجهًا جديدة لها، لم نكن نعلم أنها موجودة من الأساس لولا مجيء الدافع الذي أجبرها على الظهور.
لذلك تتميز رواية “الديوان الإسبرطي” بالديناميكية والحركة، إنها تلك العناصر التي تبثّ الحياة في التاريخ، وتُحوِّل الراوي من مؤرِّخ يحمل قلمًا يسرد به على الورق، إلى ساحر يحمل عصا يقوم بتلويحها في كل مكان.
ومع كل تلويحة، تُخلق أبراج وقِلاع وفرسان ودروع، لنؤخذ على حين غرّة من أمرنا، في رحلة بصرية افتراضية نحو التاريخ الذي طواه التطور التكنولوجي طيًّا.
اليقين الوحيد في السياسة، هو اللايقين!
الديوان الإسبرطي
البوكر تذهب لرواية “الديوان الإسبرطي”.
“البحر يجعلك تؤمن أن هناك يقينًا وإن كان غامضًا لكنه ينتابك حين تشتاق إلى اليابسة، أما السياسة فهي شيء آخر حيث اللايقين هو اليقين الوحيد الذي عليك اعتناقه”.
في الواقع، تلك التركيبة اللغوية تحمل طبقات من التورية بداخلها، وأظن أن هذا أحد أسباب فوزها بجائزة البوكر العربية.
هنا قارن الكاتب “عبد الوهاب عيساوي” بين الاشتياق من جهة، والسياسة من جهة أخرى. ولكي يجعل المقارنة موضوعية، قرر أن يكون (اليقين) هو الفيصل. هنا قال أن اشتياقك لليابسة يقيني، لأنه نابع من داخلك أنت، وأنت فقط. لكن تعاملك في السياسة غير يقيني بالمرة، لأنه يعتمد على متغيرات كثيرة.
لذلك اليقين الوحيد في السياسة، هو (اللايقين).
بينما إذا نظرنا للجملة الأولى فقط، دون الثانية.
هنا تُسلط رواية “الديوان الإسبرطي” الضوء على الإنسان وشعوره باليقين حتى وإن كانت نتيجة ذلك اليقين، مجهولة تمامًا.
أنت الآن في قلب البحر، واشتياقك لليابسة يُقنعك أنك ستصل إليها حتمًا.
لكن ماذا إذا حدث هبوط جيولوجي أو فيضان عجيب أغرق تلك القارات كلها، وأصبحت سفينتك هي اليابسة الوحيدة المتبقية، هل وقتها ستكون القناعة موجودة وراسخة بالرغم من وجود احتمالية الفناء مجهولة التحقق؟ أظن أن هذا هو السؤال الذي أراد مني الكاتب أن أفكر فيه، وأعتقد أنه نجح فعلًا.
“إن مصائر الناس يا ديبون ليست مقرونة بإيمانهم بأشياء غير محسوسةٍ، بل بأنفسهم فقط، ودائمًا آمنت بنفسي رغم كلّ ما حدث، وتيّقنت من عودتي وثأري”.
تلك التركيبة أيضًا سحرتني، لأنني من أنصار هذا الفِكر في الأساس.
هنا يتحدث الكاتب على لسان أحد أبطاله.
إنه رجل عملي من الطراز الرفيع، فلسفته لا تؤمن بالأشياء غير المحسوسة، والتي بالنسبة له -ولي بالطبع- تُمثل المُخدر للمريض.
إلا أن المريض في هذه الحالة أصبح مريضًا بفضل المخدر الذي أخذه وهو موهوم أنه مريض بالفعل، وأنه يحتاجه، بينما هو في الأصل صحيح ولا يحتاج لأي شيء سوى الاعتماد على نفسه.
تقول رواية “الديوان الإسبرطي” هنا الإيمان بالنفس هو السبيل الوحيد لقراءة الواقع، بواقعية. أن تؤمن بأن هناك قوى خارجية ستُنقذك، هذا سيدفعك للتكاسل والتواكل، ولن تقوم بتحقيق شيء (فِعلي) على الإطلاق في حياتك.
لن تنتقل خطوة واحدة في رقعة الحياة، لن تتخلص من قيودك، وستموت دون الوصول إلى ذاتك الدفينة.
لذلك الإيمان بالنفس هو كل شيء، وهو المُحرك الأول الوحيد للإنسان، أن يحيا.
رواية الديوان الإسبرطي - عبد الوهاب عيساوي - البوكر 2020
“هذه الرواية بنظامها السردي التاريخي العميق لا تسكن الماضي بل تجعل القارئ يطل على الراهن القائم ويسائله”.
وبعيدًا عن فكرة الرواية كعمل تاريخي النزعة، نجد فيها من الناحية الأخرى الكثير من الأوجه الفلسفية والأيدولوجية التي تجعلها مرآة للنفس البشرية، أكثر من كونها مرآة للتاريخ الإنساني. بداخل الرواية توجد عشرات الاقتباسات التي تُعبر عن ذلك فعلًا، والتي أنقلها إليكم الآن، محاولًا التعقيب عليها بشيء من الهيام تارة، وشيء من الجديّة تارة أخرى.
لن أتحدث عن الرواية أكثر من ذلك، هناك بحور من الاقتباسات والفلسفات والأيدولوجيات، مهما تحدثت عنها، سأظلمها نظرًا لفهمي الفردي لها، بينما فهمك أنت لها سيكون الأنسب بدون شك.
وعودة مجددًا إلى جائزة البوكر العربية، والآن لنتحدث عن دورتها الـ 12 بالعام الماضي 2019، كان العمل الفائز هو رواية «بريد الليل» للكاتبة (هدى بركات).
بريد الليل على مائدة البوكر العام الماضي!
نرشح لك قراءة: جائزة البوكر العربية 2019: هدى بركات تقتنص الجائزة عن رواية “بريد الليل”
رواية بريد الليل - هدى بركات
واستحقت تلك الرواية الفوز نظرًا لفكرتها التشكيكية في الأساس. قامت هدى بركات بهدم الكثير من النواميس العربية المعهودة، وناقشت الإنسان كقيمة ووجود، لا كقوالب أخلاقية أو جنسية.
وذلك برز بشدة في أقوى جُمَل نبذة الكتاب المسرودة بقلم الكاتبة نفسها:
“ليس في هذه الرواية من يقين. ليس مَن قَتَلَ مجرمًا، ولا المومسُ عاهرةً. إنّها، كما زمننا، منطقة الشكّ الكبير، والالتباس، وامِّحاء الحدود”.
نرشح لك قراءة: هل تمنح جوائز الرواية الأهمية للرواية؟ وكيف؟ إليك ما قاله الروائيون العرب أنفسهم حول ذلك
والآن، ما رأيكم في رواية “الديوان الإسبرطي” إذا قرأتموها؟ وهل ترون أن إعلان الفائز بدون حفل تكريم على أرض الواقع، يُقلل من قيمة الجائزة بشكلٍ ما؟ شاركونا آرائكم بالتعليقات.
كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.