تأليف : أيمن رجب طاهر

ــ سيرة مدينة ــ يرويها غريب ضيف العريان - السفينة غرقت .. كصواعق السماء انصبّ عليّ الخبرُ المفجعُ لغرق السفينة أمام سواحل إيطاليا ولم ينج إلا القليلُ وسيد من الشباب الذين انتشلت جثثهم فرقُ الصليب الأحمر، عم علي يهذي وزوجته خالتي وديدة تهيل التراب على ناصيتها والجيران يحاولون تهدئتهم أما صديق المتبقي من أبناء الجمّال فلم يره أحد منذ جاءه خبر غرق أخيه، هذه المصيبة كانت كفيلة بأن تدمر أية رغبة عندي في السفر وحمدت الله أني لم أفتح الموضوع مع أمي.. كرهت الدكان وبيوت الشق كلها، سئمت جلسة حربي المزين في زاوية بين بيتين، كرهت انحناء المقدس بشاي على أوتار النول القديم، أغمضت عيني حتى لا تقع على زنبيل شوقي السمّاك المملوء نصفه بالبلطي والذباب يحوم حوله أما الوشرة التي يقطع عليها سيد الجزار اللحم فتمنيت أن أحرقها حتى أم وجيه التي أحبها لم أطق النظر إلى وجهها الطيب وشعرت بصوت ماكينتها يصم أذني، كززت أسناني لمخيمر السحلية الذي رأيته يترنح أمام الشق فهممت أن أختطف زجاجة السبيرتو من يده وأكسرها على رأسه، ضاق صدري، عدتُ إلى البيت، تمددت على السرير ساكتًا وبمجرد أن عرضت عليّ عفاف تجهيز العشاء زعقت في وجهها ونهضت خارجًا من البيت ولا أعلم إلى أين أسير..

---