تأليف : محمد الشاهد

يبقى الخطاب الفلسفي رهن التجربة الإنسانية وخطاباتها المباشرة ، فقد ارتبط وتغذى قديماً على الميتافيزيقيا والدين ، وفيما بعد عاش واستمر بالعلم والتاريخ ، أما الفلسفة المعاصرة ، فتعيش وتتغذى على الممارسة الإجتماعية الكلية للإنسان ، ويعتبر العلم وفتوحاته الثورية نبعاً أصيلاً لهذا الخطاب ، ولهذا فأهم ملامح الخطاب المعاصر هو أصالته ، وروح النقد ، والصرامة المنهجية ، وقدرته الدائمة على تصحيح ذاته ومسيرته الكبرى منذ عشرين قرنا أو يزيد ، وهو بهذا يعيد تعريف الفلسفة على ضوء الانجازات والفتوحات النقدية المنهجية في العلوم الطبيعية والإنسانية، فهو دائم الانشغال بذاته بنفس مستوى الانشغال بالواقع وخطاباته المتعددة بالنقد ، والمساءلة ، وتشكيل المفاهيم ، ولهذا السبب: كان وما زال الخطاب الفلسفي حواراً مباشراً وغير مباشر مع الفلاسفة السابقين والمعاصرين ومع ذاته ، من خلال انقلابه على نفسه لتطوير خطابه المنجز ، ودفن مقولاته الميتة ، وهو تناص لا ينتهي مع الآخرين لتحقيق الإبداع والأصالة بالمفاهيم والمناهج والمذاهب، ولهذا لا يوجد بداية أو نهاية مطلقة للفلسفة والتفلسف. وليست الصيغ الراهنة عن النهايات إلا تعبيرا عن الأزمة القائمة ، وبمعنى آخر لم تعد تلك المنظومات مطابقة للواقع ، أو قادرة على تسويغ وجودها أو حلولها بعد أن تجاوزها التاريخ.

---